عاطف واحد من الناس
تاريخ التسجيل : 03/08/2009 العمر : 39 الموقع : http://moussiac.blogspot.com
بطاقة الشخصية الحقول : 2
| موضوع: على خطى ابن بطوطة الأحد مايو 16, 2010 9:47 am | |
|
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]جاء الاسكندر المقدوني إلى الفيلسوف والشاعر ديوجين "صاحب المصباح" وكان جالساً مع برميله الذي ينام بداخله ليلًا فقال له اطلب ما تريد؟ فأجابه وهو مستلقٍ على شاطئ البحر فقط أريدك أن لا تحجب بظلك عنى أشعة الشمس!!, فأنت لا تستطيع أن توهبني إياها.
جاء صديقي في اليوم التالي وبعد شراب القهوة العلقمية في مقهى القلعة "متحف غدامس" اتجهنا ثانية للمدينة القديمة هذه المرة إلى حومة السوق قرب المسجد العتيق التي تتوسطها حديقة صغيرة في مركزها نخلة باسقة وتعرض فيه جميع المصنوعات اليدوية التي تصنعها النساء غالباً من أشجار النخيل والجلود وكذلك الخزف الملون غاية في الإبداع والجمال كما توجد معارض فنية رائعة لرسامين من المنطقة والمناطق المجاورة غالباً من رسومات الصحراء والجمال والمدينة القديمة وكان صديقي قد زوّدني منذ اليوم الأول بعمامة الطوارق زرقاء اللون والتي لفيتها على رأسي لمزيد من الاندماج مع سكان المنطقة والبيئة المحيطة وهذا الغطاء الذي أكن له الفضل في إنقاذ دماغي من الصدمات في مطبات "شدق مسعودة" قبل بن جواد والذي حماني عند الارتطام بمطبات "تيتى وتنقمر"وأنا أعرف أن كثيرين لا يعرفون الفرق بين الاثنين !! ,وهما شعبتان تصبان في وادي"بى الخائب" وتمتص سيولهما تلك الجبال الرملية الهائلة قبل ودان!!. ثم أن العمامة تحمى دماغي من التبخر تحت وطأة الشمس الحارقة ومن كثرة التفكير في مصائب الأمة وإذلالها في العراق وفلسطين والصومال وأطرافها عند أفغانستان وباكستان !!,والتي تعرض يومياً على قناة الجزيرة!.
خرجنا من السوق متوجهين إلى عُرس الطوارق الذي كان في ساحة كبيرة فيها جميع مظاهر حياتهم, البداية بالعرس فوجدنا النساء وهن يرقصن رقصاتهن الرائعة بملابسهن المرزكشة دوماً على دقات الطبول وكانت بعض الصبايا يتميزن بجمال خارق وكل واحدة منهن تستحق أن تكون ملكة جمال الصحراء وقيل أن "بيير كاردان" "حين زار غدامس كان مأخوذاً بذلك الجمال حتى قال لو أنهن بباريس لغزون العالم بهذا الجمال "والله أعلم "كما أنّ "صوفيا لورين" والتي مثلت أحد أفلامها هناك كانت هي الأخرى منبهرة جداً بالناس والمدينة.
وجلست مع شيوخ الطوارق وشربت الشاي الأخضر لذيذاً وأكلت من خبزه "المله" التي خرجت للتو من تحت الجمرات!! و جاءنى مصور المهرجان "سامى .ح" وطلب أن يلتقط لي صوراً فرحبت بالفكرة كثيراً لأن كامرتي الرقمية قد أفلست بي بعد أن اشتريت دستة بطاريات من نالوت ودرج وسيناون حتى غدامس ولكنها يبدو أنها من الصين وقديمة لم تفلح في تشغليها !! لكنني ربحت في أحد المتاجر عطراً مقلداً أعجبت بزجاجته التي لم تكن مكعبة ولا مربعة ولا مثلثة بل كانت خليطاً من الجميع وكتب عليها صنع في باريس !! بعشرة جنيهات فقط !!.
ربما هذا يتطابق مع المثل الشعبي القائل "السبته خير من السلوقى" وكان هناك اثنان من الطوارق يركبان "مهرياً " ويصولون داخل الساحة في سير متناسق يحظى بإعجاب الزوار والسياح ثم كان هناك لوحات رسم عليها بحروف "التيفيناغ" لغتهم المسماة "تماهقت" ويطلق على التوارق " أموهاقه" وهي إحدى أطوار اللغة الكنعانية " حسب رواية المؤرخ جورج مصروعة في موسوعة هاني بعل " وتستخدم الآن في مناطق عمان وظفار وجنوب اليمن. والغريب ما كتبه متصرف فزان في رسالة إلى والي طرابلس لأنه وجد العديد من النساء التارقيات يكتبن بلغتهن وذلك في منطقة جبال تاسيلى بغات وذكرها بعض المؤرخين الآخرين وكان للطوارق الملثمين الذين يعيشون في الصحراء الكبرى وأطرافها حتى غدامس ودرج والحمادة الحمراء دور كبير في حماية تجارة القوافل ولهم علاقة وطيدة مع الغدامسيين الذين سيطروا على هذه التجارة من طرابلس وتونس في طريقها إلى جنوب الصحراء مثل "تمبكتو وكانو وبرنو" وتشاد حتى السودان !! ولقد قاوم الطوارق كل المحتلين فلهم ثورات ضد الأتراك وطردوا حاميتها وعملائها من غات ولشيوخهم دور في مقاومة الاستعمار الاستيطاني الإيطالي وقاموا بغارات على حامية نالوت وقتلوا العديد من جنودها ثم انسحبوا إلى سيناون وفزان واشتركوا في معركة سوانى بني آدم والعزيزية وغيرها.
وكان ذلك في عهد السلطان آمود ولهم سلطتان إحداهما روحية والأخرى سياسية وكل واحدة محصورة في إحدى هاتين القبيلتين من قبائل الطوارق وتكون الوراثة لهذه المناصب لأبناء الأمهات أولاً وأخيراً. وفى المساء حضرت الندوة الثقافية وأغلبها عن دور غدامس المركزي في تجارة القوافل التي تحضر البضائع من حوض البحر المتوسط وتنقل إلى أواسط إفريقيا وتحضر بالمقابل الذهب والعاج وريش النعام وغيرها واشتهرت غدامس قديماً بصناعة الجلود الفاخرة وصباغتها ثم كان الملح والترفاس "الكمأ" والتمور من أحسن منتجاتها.
وأحب أن استدرك ما كتبته في المقالة السابقة بأن الذين قتلتهم الغارة الأمريكية هم أربعون مواطناً وجرحت العشرات ودمرت المسجد العتيق وعشرين منزلًا. وأشير هنا أن أغلب المعلومات الواردة في هذه المقالات مأخوذة عن المؤرخ الجليل الغدامسى "بشير قاسم يوشع" في كتابه "غدامس ملامح وصور". وهذا الكتاب جدير بالقراءة لمن أراد معرفة المزيد. علماً بأن المؤرخ تعلم في مدرسة الحياة وجامعاتها حيث تعلم في الكُتاب وبلغ حتى السنة الثالثة من التعليم الابتدائي وله عدد من المحاضرات والمنشورات في مركز جهاد الليبيين أحبائي القراء إلى خاتمة رحلة غدامس في اللقاء القادم إن شاء الله | |
|